متحف رقمي تفاعلي، يؤرخ ويوثق جرائم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش). يقدم معارض تفاعلية، وجولات افتراضية، وتحقيقات، وشهادات، في محاولة للكشف عن مصير المغيبين قسراً وتكريم الضحايا ودعم جهود تحقيق العدالة.

تحكّم “ديوان الحسبة” التابع لتنظيم “الدولة الإسلاميّة” (داعش) بالمجتمعات التي سيطر عليها هذا التنظيم، وأنشأ ما يشبه الدستور وفق شريعته المتشدّدة، ناظماً من خلاله حياة الناس وسلوكهم، حتى أبسط تفاصيل سلوكياتهم الشخصية وأنماط حياتهم حتّى داخل منازلهم. وقد عَدّ كلّ ما خالف أحكامه وقوانينه انتهاكاً، وكل انتهاك استوجب عقوبات محدّدة ومختلفة، من دفع الغرامات إلى السجن والتعذيب والجَلد.

 

تمكّن “متحف سجون داعش” من خلال عمله على توثيق حقبة التنظيم في سوريا والعراق من الحصول على عشرات آلاف الوثائق عن عمل “ديوان الحسبة”، كما وثّق مجموعة من السجون التي ارتبطت به، ما ساعد على تشكيل صورة شاملة وواسعة عن عمله والآثار التي تركها، والتي ستُعرَض تفاصيلها وخلاصاتها في هذا الملف.

 

عبر جولات مرئية لأربعة سجون، تُمثل نماذجَ عن سجونٍ أخرى مشابهة في سوريا والعراق، يدرس المتحف كيف أديرت مراكز الاعتقال التابعة لـ”الحسبة” وكيف عُومِل المعتقلون فيها، وأنواع تهمهم وفترات اعتقالهم، فضلاً عن التعديلات الهندسيّة أو البنائيّة التي أجراها التنظيم لتوظيف أماكن مختلفة في قمع أبناء مدينتَيْ الرقّة والموصل.

 

الجولات الثلاثيّة الأَبْعاد (3D) تتيح للزائر التعرّف على تفاصيل سجنين أُنشِئا في الرقة، أحدهما في قبو مدرسة معاوية بن أبي سفيان، والثاني داخل مستودع تجاريّ في منطقة الوادي، إضافة إلى سجنَيْن آخرين في الموصل أقيم أحدهما في  كنيسة مار يوسف، والآخر في أحد منازل حيّ الميدان. وقد أُرفِقت كلّ جولة بتحقيق تفصيليّ عن السجن موضوع الدراسة، يستند إلى تحليل معماريّ دقيق، ووثائق وشهادات حيّة، ويحوي معلومات عن السجّانين ومستويات التحقيق والتعذيب التي مارسوها، ويستعرض طبيعة الأحكام التي صدرت في حق المعتقلين، ويومياتهم في المهاجع والزنزانات.

 

وقد أجرى المتحف عشرات المقابلات مع معتقلين من سجون “الحسبة”، وذلك لتكوين فكرة وافية حول السجون التي دخلوها، ونحن نستعرض 22 منها ضمن هذا الملف.

 

الدراسة الأشمل عن “ديوان الحسبة” وردت في تحقيقَيْن استقصائيَّيْن، يستكشف الأول بنية “الديوان” وطريقة عمله وقوانينه التفصيلية، من خلال كتاب “اللائحة العامة لديوان الحسبة” الذي يشكل دستور الحسبة. وقد حصلنا على نسخة منه بعد بحثٍ وتقصٍّ حثيثَيْن مم فريق “متحف سجون داعش”. 

 

التحقيق الثاني يعتمد على مجموعات من مئات الوثائق، في قضايا اختصّ بها الحسبة، كالتدخين و”قضايا الآداب العامة” وما اعتبره التنظيم “جرائم عقدية” وغيرها. يرسم التحقيق صورة عامة مدعومة بالأرقام والوثائق، عن درجة تحكّم التنظيم في المجتمع، وطبيعة العلاقة التي أنشأها مع الناس، على أساس تسلطيّ قمعيّ. 

 

ويعرض الملف أيضاً شهادة خاصة من “أبي سيف مقص”، وهو أحد أبرز العناصر السابقين لـ “داعش” في مدينة الرقة، والذي وردّ اسمه في المئات من محاضر التحقيق المحفوظة في أرشيف “متحف سجون داعش”. تعدّ شهادة “أبي سيف” الأولى من نوعها مع سجّان بارز في التنظيم، وتتضمَّن معلومات تفصيليّة حول عمل “ديوان الحسبة”.

 

يعرض الملف ويحلّل أيضاً عشرات الوثائق الخاصة بـ “الحسبة”، تتنوّع بين تعميمات تنظيمية داخلية، وقوانين لضبط القطاعات الاقتصادية والطبية والخدماتيّة، وأخرى تختص برسم قواعد للمجتمع وسلوك الناس وتحدد “المباحات والمحظورات”.

 

السجون

 

تتيح هذه الجولات الأربع الثلاثية الأبعاد زيارة سجون مختلفة لـ “تنظيم الدولة” في سوريا والعراق، ارتبطت جميعها بـ “ديوان الحسبة” وتبعت قوانينه وتعليماته، وطبقت العقوبات المنصوص عليها في “اللائحة العامة”.

 

اللافت في هذه السجون أنها أنشئت في أماكن مختلفة، تباينت وجهات استعمالاتها الأساسيّة، فسجن “معاوية” أقيم في قبو مدرسة إعداديّة في مدينة الرقّة، وسجن “الوادي” كان مستودعاً تجارياً في أحد الشوارع الرئيسية وسط المدينة. أمّا سجنا الموصل المدروسان في هذا الملفّ فأحدهما أنشئ في منزل لمالكين مدنيّين في حيّ الميدان، والآخر في كنيسة “مار يوسف” التاريخيّة.

 

تشترك جميع سجون الحسبة في مواصفات موحّدة، إذ يتعرض أغلب المعتقلين فيها للجلد كوسيلة تعذيب لاستخراج المعلومات أو كعقوبة بموجب الحكم الصادر، كما دفع أغلب الناجين والناجيات الذين التقيناهم غرامات مالية لقاء الإفراج عنهم. في المقابل، قضى المعتقلون في الغالب أوقاتاً قصيرة نسبياً في هذه السجون، لم تتجاوز البضعة أيام في بعض الحالات لأن التهم الموجهة إليهم ليست أمنية. وفي حالات قليلة سُجن البعض فيها أشهراً. 

تتضمن هذه الجولات معلومات توضيحيّة عن القاعات والمساحات المختلفة داخل كل سجن، إضافة إلى إمكانية العودة افتراضياً بالزمن لمشاهدتها كما كانت في فترة “داعش”. كما تستند إلى تحقيقات مفصّلة عن كل سجن، يحيط الواحد منها بالجوانب المعمارية والتعديلات التي لحقت بالمباني إضافة إلى الهيكليّة الإداريّة وأساليب التعذيب والأحكام، وكل ذلك بناء على مقاطعة الشهادات المُسجّلة.

التحقيقات

وضع تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) وثيقةً أو كتابًا مرجعيًا لنظام عمل حسبته، وسماه “اللائحة العامة لديوان الحسبة”، تألّف من 106 صفحات شملت نظام “الحسبة” الإداريّ ودورها ووظيفتها وقوانينها وأحكامها وعملها وعقوباتها وإجراءات تنفيذ تلك القوانين والأحكام والعقوبات بشكلٍ عمليّ مباشر.

 

شكّلت الوثيقة التي يحتفظ “متحف سجون داعش” بنسخة منها، مرجعاً أساسياً لفهم دور هذا الجهاز الإداريّ بالنسبة إلى التنظيم، إذ يمكن تشبيهه بمجمع لوزارتي الداخلية والعدل متداخلتَيْن ومُندمجتَيْن. تولّت “الحسبة” الرقابة على سلوك الناس ورصد مدى التزامهم بقوانين “داعش” وتعليماته، كما تفعل وزارة الداخلية وأجهزة الشرطة المرتبِطة بها. ثمّ ضمّت ديوان الأحكام من قضاة الحسبة ومحقّقيها، الذين تولوا مَهامّاً توكل في زمننا الحالي إلى وزارات العدل.

 

وإذ درسنا ما جاء في “اللائحة” إلى جانب عشرات الآلاف من الوثائق التي عثرنا عليها في السجون التي ارتبطت بـ “الحسبة” وشهادات لناجين منها، استطعنا رسم صورة بانورامية لعمل هذا “الديوان” وهيكليته، وتأثيراته على المجتمع، في تحقيقين استقصائيين، يمكن الإطلاع عليهما في هذا القسم.

 

يقدم التحقيق الأول شرحاً مفصَّلاً لعمل “ديوان الحسبة” عبر استعراض وتحليل وثيقة “اللائحة”، ويوضّح الهيكليّة الإدارية، والطريقة التي اعتمدَتْها لتقييد حياة الناس وقمعهم وترهيبهم، والقوانين التفصيليّة التي أنتجتها، والإجراءات التنفيذية التي طبَّقها العناصر.

 

بينما ينطلق التحقيق الثاني من تحليل وثائق “ديوان الحسبة” في ضوء المحدِّدات النظرية لعمله، لمعرفة مدى تحكّم الحسبة في المجتمعات التي سيطر عليها، وجوانب التقييد سواء على مستوى العقيدة أو السلوك، وبدئاً من الانتماءات المذهبية وليس انتهاء بطريقة اللباس والطعام والشراب.

التعميمات

دخلت فرق “متحف سجون داعش” عدداً من السجون المرتبطة بـ “ديوان الحسبة” بعد سقوط حكم “تنظيم الدولة”، حيث عثرت على عشرات آلاف الوثائق من مستندات وورقيات ومقتنيات وأدلة مادية.

 

احتفظنا بكلِّ هذه الوثائق في أرشفينا بعد تصنيفها وفهرستها، وقد أخضعت للتحليل والدراسة المعمقة، ونحن نستعرض مجموعة مختلفة منها لفهم اختصاصات “ديوان الحسبة” ومجالات تحكّمه، كما يفيد مضمونها في توضيح العقلية المتشدِّدة التي كان يدير بها “داعش” المجتمعات التي يسيطر عليها.

 

القائمة التالية مقسّمة إلى خمسة أبواب رئيسية، تندرج ضمنها مجموعة من الوثائق ذات الصلة ومرفقة بنصوص توضيحية، كما أن النسخ المعروضة هي نسخ أصلية حصرية وترجمت بدقة إلى الإنكليزيّة.

 

تتضمَّن وثائق هذه القائمة ما يلي:

1- محاضر تحقيق وُجدت في سجون “الحسبة”.

2- أحكاماً مكتوبة.

3- تبليغات وتقارير وشاية.

4- تعليمات داخلية وعامة.

5- مراسلات وإيصالات صرف وقبض وغيرها.

الوثائق: ديوان الحسبة

الشهادات

نعرض في هذا القسم شهادات كاملة لـ 22 من المعتقلين والمعتقلات السابقين في أربعة سجون لـ “ديوان الحسبة” في سوريا والعراق، سُجّلت على مراحل زمنية مختلفة بين العامَْين 2020 و2024.

 

صّورت المقابلات في السجون التي اعتقل فيها الشهود، حيث تجوّلوا مع فريقنا، واستعادوا ذكرياتهم ومشاهداتهم وقدّموا معلومات عن توزّع قاعات السجون وكيفيّة استعمال “داعش” مختلف المساحات وتوظيفها، إضافة إلى التعديلات التي أدخلها عناصره على المباني الرئيسية. كما أُرفِقت بعض هذه المقابلات لإغنائها بجلسات حوارية في استوديوهات خاصة لمنح الشاهد فرصة سرد تفاصيل قصّته وتوسيع محاور وجوانب الحوار.

 

المقابلات المعروضة غير مجتزأة، بل تتضمّن الحوار كاملاً مع الشاهد، مع ترجمة إنكليزية دقيقة راعَت اللهجات المحليّة.

 

خليل الموسى

خليل الموسى

الرقة (سوريا)
الشهادات
في العام 2016 اعتقل عناصر "ديوان الحسبة" خليل مرتَيْن في سجن مدرسة معاوية، الأولى لارتدائه بنطالاً ضيّقاً، والثانية لأنه باع زبونة حاسرة عن عينيها في متجره.
إسماعيل الرجب

إسماعيل الرجب

الرقة (سوريا)
الشهادات
في صيف العام 2015، اعتقل إسماعيل الرجب مع عدد من أقاربه في سجن شارع الوادي، لمشاركتهم في نزهة عائلية على ضفة الفرات. تعرض إسماعيل للجلد والسجن 15 يوماً، وفرض عليه حضور دورة شرعية.
عبدالله عبدالصمد طه

عبدالله عبدالصمد طه

الموصل (العراق)
الشهادات
اعتقل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) عبدالله عبدالصمد طه في عام 2016 مرّتين، وكان السبب ارتداءه سروالاً ضيقاً وتشذيب لحيته. واستمرّ الاعتقال الثاني ستة أيام في سجن الميدان تعرض خلالهم للتعذيب.
محمد أحمد الجاسم

محمد أحمد الجاسم

الرقة (سوريا)
الشهادات
اقتاد عناصر "ديوان الحسبة" محمد أحمد الجاسم إلى سجن مدرسة معاوية لتأخره عن الصلاة بضع دقائق في عام 2015. تعرض للإهانات وحكم عليه بالسجن 10 أيام، وبـ 40 جلدة.

شهادة أبو سيف

 

عُرف “أبو سيف مقصّ” في مدينة الرقّة بقسوته وبطشه في مرحلة سيطرة “تنظيم الدولة”، وارتبط اسمه بالسجون وبدوريات التفتيش والرقابة التي جالت المدينة لرصد مخالفي القواعد، وللقبض على تجّار التبغ والمشتبه فيهم بأنهم معادون للتنظيم ويعملون ضده.

 

كان “أبو سيف” محققًا في “ديوان الحسبة”، ووقد أكّد بعض المعتقلين السابقين ممن استجوبهم وحقّق معهم لـ”متحف سجون داعش” اعتماده العنف والتعذيب في جلسات التحقيق، أو أثناء عمله كمتحرٍّ. 

 

التقى فريق من المتحف “أبو سيف” في أحد سجون “قسد” شمال شرقي سوريا حيث اعتقل بعد هزيمة التنظيم في الرقّة، وأجرى معه حواراً مطوَّلاً وواجهه بأسئلة تهدف إلى تعزيز فهم طبيعة “داعش”، وإلى الحصول على معلومات إضافية عن السجون التي عمل فيها وعن طبيعة نشاط “ديوان الحسبة” آنذاك، ومستوى تدخّله في حياة المدنيّين.

 

هذا النصّ منقول عن لسان “أبو سيف” الذي نتحفّظ عن ذكر اسمه الصريح التزاماً بالأخلاقيات الصحافية وقوانين النشر، وقد فضلنا عدم إخضاع ما ورد فيه للمناقشة والتحليل والنقد، على الرغم من شكّنا في الكثير من الروايات التي سردها، لعدم تطابقها مع شهادات عشرات المعتقلين السابقين عنه، أو للتناقض بين المعلومات التي قدمها في مواضع مختلفة من الحوار.

 

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ منطلق الحوار ليس إعطاء مساحات تعبير للسجّانين وعناصر “داعش” ولا محاكمتهم، وإنما لتوسيع الرؤية والمساهمة في فهم سير هؤلاء السجّانين، ولمحاولة لحصول على معلومات إضافية عن عالم “داعش” مباشرةً من المشاركين في إنتاجه.